ولنقف مع هذه القصةِ التي ذكرها الإمامُ ابنُ كثيرٍ في " البداية
والنهاية " (12/46 - 47)...
عند أحداث سنة تسع وعشرين وأربع مئة فقال...
وفي رمضان لقب جلالُ الدولةِ " شاهنشاه الأعظم ملك الملوك " بأمرِ
الخليفةِ ، وخُطب بذلك على المنابرِ ، فنفرت العامةُ من ذلك ، ورموا
الخطباءَ بالآجرِ ، ووقعت فتنةٌ بسببِ ذلك ، واستُفتي الفقهاءُ في ذلك
، فأفتى أبو عبدِ اللهِ الصيمري أن هذه الأسماء يعتبرُ فيها القصدُ
والنيةُ ، وقد قال اللهُ تعالى : { إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ
مَلِكًا } وقال : { وَكَانَ
وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ } وإذا كان في الأرض ملوكٌ جاز أن يكونَ
بعضهم فوق بعضٍ ؛ لتفاضلهم في القوةِ والإمكانِ ، وجاز أن يكونَ بعضهم
أعظمَ من بعض ، وليس في ذلك ما يوجبُ التكبر ، ولا المماثلةَ بين
الخالقِ والمخلوقين .
وكتب القاضي أبو الطيب الطبري أن إطلاقَ ملكِ الملوكِ جائزٌ ، ويكون
معناه ملك ملوك الأرض ، وإذا جاز أن يقال : كافي الكفاةِ ، وقاضي
القضاةِ ، جاز ملك الملوك. وإذا كان في اللفظِ ما يدلُ على أن المرادَ
به ملوكُ الأرضِ زالتِ الشبهةُ ، ومنه قولهم : اللهم أصلح الملكَ .
فيصرف الكلامُ إلى المخلوقين ، وكتب التميمي الحنبلي نحو ذلك .
وأما القاضي الماوردي صاحبُ " الحاوي الكبير " فنُقل عنه أنه أجاز ذلك
أيضا ، والمشهور عنه ما نقله ابنُ الجوزي ، والشيخ أبو عمرو بنُ
الصلاح في " أدب المفتي " أنه منع من ذلك ، وأصر على المنعِ ، مع
صحبتهِ للملكِ جلالِ الدولةِ ، وكثرةِ تردادهِ إليه ، ووجاهتهِ عنده ،
وأنه امتنع من الحضورِ في مجلسهِ حتى استدعاهُ جلالُ الدولةِ في يومِ
عيدٍ ، فلما دخل عليه ، دخل وهو وجلٌ خائفٌ أن يوقعَ به مكروهاً ،
فلما واجهه قال له : قد علمتُ أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا
ذلك ، مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي ، دينُك واتباعُك الحق ، ولو حابيت
أحداً من الناسِ لحابيتني ، وقد زادك ذلك عندي محبة مكانة .
قلتُ ( أي : ابن كثير ) : والذي صار إليه القاضي الماوردي من المنع من
ذلك هو السنة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة من غير وجه " .ا.هـ.
: خاص بإذاعة هدى الاسلام