بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة
للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا يا رب العالمين
أما بعد
من أنواع الشكر لله الشكر بالقلب و الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا
يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى سبيله وتستقيم على ذلك .
ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير .
ومن الشكر أيضا الثناء باللسان وتكرار النطق بنعم الله والتحدث بها
والثناء على الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون
باللسان والقلب والعمل . وهكذا شكر ما شرع الله من الأقوال يكون
باللسان .
وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . . بعمل الجوارح والقلب ؛ ومن عمل
الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج
بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى :
{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا
وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... } الآية .
ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف منه ورجاؤه كما تقدم
والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ } ، ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك
وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن
يسلبهم النعمة ، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب
الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة
المعصية .
فمن شكر الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من
نعمه ، فإذا أبيت إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه
وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة .
ومن عذابه في الدنيا : سلب النعم كما قال تعالى :{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ }، وتسليط الأعداء وعذاب الآخرة أشد وأعظم كما قال
سبحانه : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } وقال تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ
عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأخبر سبحانه أن الشاكرين قليلون وأكثر
الناس لا يشكرون .
فأكثر الناس يتمتع بنعم الله ويتقلب فيها ولكنهم لا يشكرونها بل هم
ساهون لاهون غافلون كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ
وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى
لَهُمْ } فلا يتم الشكر إلا باللسان واليد والقلب جميعا .
وبهذا المعنى يقول الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
والمؤمن من شأنه أن يكون صبورا شكورا كما قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُورٍ } فالمؤمن صبور على المصائب شكور على النعم ، صبور مع
أخذه بالأسباب وتعاطيه الأسباب ، فإن الصبر لا يمنع الأسباب ، فلا
يجزع من المرض ولكن لا مانع من الدواء .
فلا يجزع من قلة المزرعة أو ما يصيبها ولكن يعالج المزرعة بما يزيل من
أمراضها ، فالصبر لازم وواجب ، ولكن لا يمنع العلاج والأخذ بالأسباب .
فالمؤمن يصبر على ما أصابه ويعلم أنه بقدر الله وله فيه الحكمة
البالغة ويعلم أن الذنوب شرها عظيم وعواقبها وخيمة فيبادر بالتوبة من
الذنوب والمعاصي .
فعليك أيها المسلم أن تتوب إلى الله عز وجل حتى يصلح لك ما كان فاسدا
ويرد عليك ما كان غائبا . وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ، فقد
يفعل الإنسان ذنبا يحرم به من نعم كثيرة . قال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } وقال جل وعلا :
{ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ
اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ... }
الآية ، وقال سبحانه : { ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ } فالمصائب فيها دعوة للرجوع إلى الله وتنبيه
للناس لعلهم يرجعون إليه .
فالعلاج الحقيقي للذنوب يكون بالتوبة إلى الله وترك المعاصي والصدق في
ذلك ، ومن جملة ذلك العلاج : ما شرع الله من العلاج الحسي فإنه من
طاعة الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام
» فالمؤمن صبور
عند البلايا في نفسه وأهله وولده شكور عند النعم بالقيام بحقه والتوبة
إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله له خير وليس
ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء
شكر فكان خيرا له » رواه مسلم في الصحيح من حديث
صهيب ابن سنان رضي الله عنه .
من موقع سماحة الشيخ بن باز يرحمه الله .
: موقع الشيخ رحمه الله