من أحكام تأجير المنازل

الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي

السؤال: أنا عندي دار أؤجرها، وأجرتها لشخص، فهل يجوز لي أن أخرجه عنها عند نهاية الشهر وأؤجرها لغيره من غير رضاه؟
الإجابة: إن عقد الإجارة من العقود اللازمة التي تلزم بالمباشرة، فإذا استأجر الإنسان داراً فقد استحق هو غلتها واستحق مالكها أجرتها، فإذا كانت الأجرة حالة معجلة فهذا هو الأصل الذي لا اختلاف فيه بين أهل العلم الكالئ بالكالئ لم يحصل، فالعقد قد عجل حينئذ أحد طرفيه وهو الأجرة، أما الطرف الثاني وهو الغلة فإنها لا يمكن أن تؤخذ دفعة واحدة بل تؤخذ مع الأيام حتى يكمل الشهر.

وإذا كانت الأجرة مؤخرة فبعض أهل العلم يرى عدم جواز ذلك لما فيه من الكالئ بالكالئ لأن الطرفين معاً تأجلا.

لكن جمهور أهل العلم يرون جواز ذلك لأنهم يقدرون بداية الأمر كنهايته، فالإنسان عندما دخل هذه الدار من أول يوم من أيام الشهر فقد استغل بعض غلتها فيلحق باقي غلتها للشهر كاملاً بما استغل، فيكون ذلك كنية الصلاة عند دخولها، فنية الصلاة مثلاً أنت تنوي صلاة العصر أربع ركعات عند دخول الصلاة، ولكن إذا صليت ركعة فقد انتقصت النية بجزء من الصلاة وهو ركعة من أربع ركعات، ولم تغير أنت النية في داخلك فقد بقيت على نية أربع ركعات ومع ذلك في الركعة الأخيرة لم يبق وراءك أربع ركعات بل لم يبق وراءك إلا جزء من ركعة، فكذلك استغلال الغلة بالتقسيط والتدريج يكون من هذا القبيل، وعلى هذا فليس هذا من عقد الكالئ بالكالئ بل هو مما عجل فيه أحد البدلين، وتعجيل أحد البدلين من الأمور الجائزة اتفاقاً.

فعلى هذا يجب الكراء بالتمكن ويلزم، فإذا تمكن المستأجر من الدار ودخلها ونقل إليها متاعه فقد لزمه الكراء، ولو انتهى غرضه منها وأراد الخروج منها في أول يوم من أيام الشهر فتلزمه أجرة الشهر كاملاً، لأنه استأجر لهذه المدة، وملك هو الغلة وملك مالك الدار الأجرة، ولذلك قال خليل رحمه الله: "ولزم الكراء بالتمكن"، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم"، وهذا عقد ملزم للطرفين، فأنت قد ملكت الغلة، وهو قد ملك الأجرة، فلذلك لو رغبت أنت عن باقي الشهر فالغلة لك يمكن أن تستأجر الدار لغيرك في بقية الشهر، وهذا الذي يسمى في عرف القانونيين بالإيجار من الباطن.

وهذا الإيجار من الباطن عند القانونيين هو مباح أيضاً عند الفقهاء بشرط: وهو أن يكون المستأجر له الثاني لا يصرفها إلا في مثلما استأجرها الأول له، فإذا كان المستأجر الأول استأجرها للسكن والمستأجر الثاني يستأجرها لأن تكون گراج إصلاح السيارات مثلاً فهذا لا يجوز، لأن صاحب الدار لا يريدها گراجا لإصلاح السيارات، وفي ذلك ضرر عليه، فلا بد أن يكون الجنس متفقاً جنس الغلة، لكن اختلف في الجنس المتقارب كما إذا كان المستأجر الثاني يريدها متجراً والمستأجر الأول يريدها مسكناً، فهذا النوع سيكون الفرق فيه قليلاً والأذى الذي سيصل إلى صاحب الدار يمكن أن يغتفر، فقد اختلف في ذلك أهل العلم والراجح الجواز إذا لم يقع الضرر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار".

أما إذا كانت المدة قد انتهت فالمستأجر ليس له أولوية بالاستئجار في الشهر القادم، فيمكن أن يخرجه مالك الدار عنها إذا وجد من يستأجرها بأغلى من الثمن الذي يستأجر هو به، إلا إذا كان العرف قاضياً بأن المستأجر يجلس في الدار سنة مثلاً، أو إذا كان الشرط الذي اتفق عليه في العقد يقضي بأن لا يخرج المستأجر إلا بعد إعلامه بشهر قبل إخراجه، كما هو الذي يجري به العرف عادة، وفي بعض الأمصار يشترط أن يخبره قبل إخراجه بشهرين ليبحث عن مكان يستأجره لئلا يدخل عليه الضرر لأن الضرر لا يزال بالضرر، فإذا حصل ذلك الشرط فالوفاء به لازم، وهو من الأمور التي إذا التزمها الإنسان كانت داخلة في التراضي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض"، وقال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}، فبذلك يكون هذا التراضي شريعة المتعاقدين فيما بينهما، لأنهما قد التزماه من غير إكراه وليس منهياً عنه شرعاً فلزمهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.