ألا يُعتبر من يرضى بهذا كافراً؟

ناصر بن سليمان العمر

السؤال: إننا نسمع الآية: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، ونسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن موالاة الكافرين.

ونرى ونتابع بشدة أحداث العراق وما يجري فيها من مجازر ودمار، وسمعنا أن هناك بعض الدول العربية تتعاون بطرق معينة مع المعتدين على العراق، حتى قيل: إن الطائرات الحربية للعدو المعتدي كانت تنطلق من هذه الدول!! أليس هذا سبباً كافياً لتكفير الدول الحاكمة الراضية بهذا التصرف؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أخي الكريم: إن تكفير المسلمين من أعظم الأمور، والناس فيه بين إفراط وتفريط، والحق هو الوسط، ولذلك فإنه يلزم قبل الدخول في قضية التكفير النظر في أمرين:

الأمر الأول: فعل الكفر، فينظر هل هذا الفعل كفر أم لا؟ وما الدليل على ذلك من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة.

الأمر الثاني: فاعل الكفر، فإذا ثبت شرعاً أن ذلك الفعل كفر، فهل يكفر فاعله؟ فمن الممكن أن يكون الفعل كفراً ولا يكفر فاعله؛ لعوارض الأهلية، أو لأي سبب شرعي آخر، وفي قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه خير دليل على ذلك، ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: "ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها"، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟!" قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امْرأً ملصقاً في قريش، -قال سفيان كان حليفاً لهم ولم يكن من أنفسها- وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق"، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}.

فهذا الصحابي الجليل: حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يتعاون مع المشركين لسبب ظنه صواباً، ومع ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره، ولم يعجل عليه بالعقوبة.

لذلك فأمر التكفير من عظائم الأمور، ولصعوبة هذا الأمر، ولأنه زلَّت فيه أقدام، ولا يقوى عليه إلا جهابذة العلماء، فإني أنصح بترك هذا الأمر لأهله، والاشتغال بما ينفعك في دينك ودنياك، وفقك الله وسدد خطاك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت.