حكم صلاة الإمام مكشوف الرأس

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

السؤال: هل صحيح أن الصلاة قد تعتبر باطلة إذا كان الإمام مكشوف الرأس؟ أرجو التدليل ببعض الأحاديث الواردة في ذلك.
الإجابة: لا يصح القول ببطلان صلاة مكشوف الرأس -إماما كان أو غيره-، ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما) (1) عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة وقد ألقى طرفيه على عاتقيه. ومنها ما رواه البخاري (2) في: (باب الصلاة بغير رداء)، عن محمد بن المنكدر، قال: دخلت على جابر بن عبد الله، وهو يصلي في ثوب ملتحفاً به، ورداؤه موضوع. فلما انصرف قلنا: يا أبا عبد الله، تصلي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم، أحببت أن يراني الجهال مثلكم، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هكذا. ورواه البخاري (3) أيضا في: (باب عقد الإزار على القفا في الصلاة)، بلفظ: صلى جابر في إزار قد عقده من قِبَل قفاه. وثيابه موضوعة على المشجب. قال له قائل: تصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك. وأينا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وروى أبو داود في (سننه) (4) في: (باب الرجل يصلي في قميص واحد)، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، قال: أَمَّنا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه رداء. فلما انصرف قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في قميص. والأحاديث الثابتة في هذا المعنى كثيرة معروفة لدى أهل العلم.

وكذلك يذكرون تخمير المصلي رأسه بالعمامة -وما في معناها- من المستحبات. وممن نص على استحبابه المجد في (شرحه) ثم قال: ونحن لاستحباب الثوبين والعمامة لإمام أشد. نص عليه؛ لأنه المنظور إليه، والمقتدى به. أما باب الإجزاء، فيذكر الفقهاء أن من صلى في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه؛ واستدلوا بحديث عمر بن أبي سلمة المتقدم، وما في معناه من الأحاديث. بل ذكر الفقهاء أن انكشاف جزء يسير من العورة إذا لم يفحش في النظر إليه، لا يبطل صلاة الإمام والمأمومين؛ لما رواه أبو داود في (سننه) (5)، عن عمر بن أبي سلمة، قال: كنا بحاضر، يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم. فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا. وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا. فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: "يؤمكم أقرؤكم"، وكنت أقرأَهم؛ لما كنت أحفظ؛ فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء. فكنت إذا سجدت تكشفت عني. فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم. فاشتروا لي قميصا عُمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به. فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين.

وقد انتشر هذا الخبر في عهد النبوة، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وما دام الأمر هكذا، فمن باب أولى كشف رأس الرجل الذي أجمع أهل العلم على أنه ليس بعورة، وأوجب الشرع في الحج والعمرة كشفه في الصلاة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

___________________________________________

1 - البخاري (354، 355، 356)، ومسلم (517).
2 - البخاري (370)، ومسلم (518).
3 - البخاري (352).
4 - أبو داود (633).
5 - أبو داود (585).