حكم صلاة المسافر على راحلته وسيارته

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

السؤال: سائل يسأل عن حكم المسافر الذي يركب سيارته: هل يجوز له أن يتنفل في السيارة وهي تسير، ولو كان غير مستقبل القبلة، ويصلي جالسا ويومئ بالركوع والسجود أم لا، وهل يشترط لهذا شروط، وما تلك الشروط؟
الإجابة: إذا سافر الإنسان سفرا مباحا فقد وسع له الشارع في رُخَصِ السفر، ومنها: جواز التنفل على راحلته وسيارته، وكذا الطائرة، ونحوها -سواء كان سفره طويلا أو قصيرا- فيجوز له أن يتطوع فيها بما شاء من النوافل: كصلاة الضحى، وقيام الليل، والوتر، وسجدة التلاوة، ونحو ذلك، ولو لم يستقبل القبلة؛ لقوله تعالى: {وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} (1)، قال ابن عمر: نزلت في التطوع خاصة (2)، ولما روى -هو- أنه صلى الله عليه وسلم كان يُسَبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه. وكان ابن عمر يفعله (متفق عليه) (3). وللبخاري: إلا الفرائض.

ولم يفرق بين طويل السفر وقصيره. ولأن ذلك تخفيف في التطوع -لئلا يؤدي إلى تقليله أو قطعه- فاستويا فيه. بل ألحق الفقهاء الماشي بالراكب في ذلك؛ لأن الصلاة أبيحت للراكب لئلا ينقطع عن القافلة في السفر، وهو موجود في الماشي.

فأما الراكب، فيلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة بالدابة -أو السيارة- بأن يديرها إلى القبلة، إن أمكنه بلا مشقة، أو هو بنفسه، بأن يدور إلى القبلة، ويدع راحلته سائرة مع الركب، إن أمكنه ذلك بلا مشقة؛ لما روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث كان وجهه (رواه أحمد وأبو داود) (4).

وكذا، إن أمكنه الركوع، والسجود، والاستقبال، في جميع النافلة، كمن هو في سفينة ونحوها، فيلزمه ذلك؛ لقدرته عليه بلا مشقة، أو كانت راحلته واقفة، وإلَّا يمكنْه افتتاح النافلة إلى القبلة بلا مشقة، جاز له افتتاحها إلى جهة سيره، وأومأ بالركوع والسجود إلى جهة سيره؛ طلبا للسهولة عليه؛ حتى لا يؤديه ذلك إلى عدم التطوع.

ويكون سجوده أخفض من ركوعه -وجوبا- إن قدر؛ لما روى جابر، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع (رواه أبو داود) (5).

وأما الماشي، فيلزمه افتتاح النافلة إلى القبلة، ويلزمه ركوع وسجود إلى القبلة بالأرض؛ لتيسر ذلك عليه من غير انقطاع عن جهة سيره، ويفعل الباقي من الصلاة إلى جهة سيره.

وصحح المجد في (شرح الهداية): يومئ بالركوع والسجود إلى جهة سيره كالراكب، والله أعلم.

___________________________________________

1 - سورة البقرة: الآية (115).
2 - (الناسخ والمنسوخ) للواحدي. ص (25) و(تفسير الطبري) (1/503).
3 - البخاري (1000)، ومسلم (700).
4 - أحمد (3/203)، وأبو داود (1225) من طريق ربعي بن عبدالله بن الجارود، حدثني عمرو ابن أبي الحجاج، حدثنا الجارود بن أبي سبرة، حدثنا أنس. به، وإسناده حسن كما قال المنذري في (مختصر سنن أبي داود) (1179).
5 - أبو داود (1227) من طريق وكيع، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، به.