أريد أن ألبس النقاب، ولكن..

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: السلام عليكم، أريد أن ألبس النقاب، ولكن أعيش في أسرة ثريَّة ليس لها علاقة بِمعرفة الدين، ولكنَّ الهمَّ الأكبر هو المظهر والثياب الجذَّاب الأنيق، وقد هداني الله لهذا الطريق منذ عاميْن، ومنذ ذلك الحين أنا في صراع دائم معهم؛ لأنَّ عقلي أصبح يُخالفهم في كلِّ شيء، مع أني أدعو الله لهم بالهداية وأدعوهم بالحسنى.

والآن أريد لبْس النقاب، مع العلم أني لو قمتُ بِهذا، فقد يضربُني أبى أو يغضب عليَّ، أو من الممكِن أن يَحرمني من الخروج أو تكملة التَّعليم، أو مجرَّد الاتِّصال بأي أحد.

ولكني بفضْل الله على قدْر من الجمال، وإني أرتدي الجِلْباب الواسِع والحِجاب الطَّويل، ولكني أخاف أن أكون فتنةً لغيري، فأريد لبس النقاب، فهل هذا يصبح من العقوق إذا فعلته؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابة: الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالحمد لله ربِّ العالمين على ما منَّ به عليْكِ من هدايةٍ إلى طريقِه القويم، والاستِقامة على الصراط المستقيم، واللهَ نسألُ أن يوفِّقك ويثبِّتك على الحقِّ.

واعلمي أنَّ برَّ الوالدين من أوجب الطَّاعات وأعظم القُرُبات، وقد صرَّحت بذلك نصوص الكتاب والسنَّة؛ قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم يستأذِن في الجهاد، فقال له:" أحيٌّ والِداك؟، قال: نعم، قال: ففيهِما فجاهد" (متَّفق عليه).

ولكن طاعة الوالدين إنَّما هي في المعروف، فإذا تعارضت طاعتُهما مع طاعة الله، فطاعة الله أحقُّ وأوْلى؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (رواه أحمد، وصحَّحه الألباني).

فمُخالفة الوالد في لبس النِّقاب ليس من العُقوق في شيء؛ لأنَّه طاعة لله تعالى سواء على القول بوجوبه أو باستحبابه، ولتصْبِري ولتحْتسبي ما يلحقك من أذًى من جراء الثَّبات على الحقِّ؛ فالدنيا دار ابتِلاء وامتحان، وإنما أهبط عليْها آدم عليه السلام عقوبةً لا مثوبة، ومن يصبر يعوِّضه الله خيرًا؛ قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 1، 2].

فيبتلي الله عباده ليعلم الصَّابرين والمؤمنين ويرفع درجاتهم؛ قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142]، ومن سُنن الله وكلِماته الكونيَّة أنَّه يبتلي عبادَه المؤمنين؛ ليمتَحِن صبرَهم وعبوديَّتهم؛ قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].

وبشَّر الله عبادَه المؤمنين بالأجْر الجزيل في الآخرة لِمن صبَر في الدنيا؛ قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

فإن أصابك من أهلك شيء من الأذى كالضرب والإهانة، أو قطْع النفقة، وليس لديكِ ما يَكْفيك، أو غير ذلك، وضعفت ولم تتمكني من الصبر، فاتقي الله ولا تتركي ما أنت عليه من الالتزام وخففي من المفسدة قدر استطاعتك؛ مثل أن تكتفي بلبس الخمار والجلباب الواسع، ولتُقلِّلي من الخروج إلا للحاجة الماسَّة، ولا يعني هذا إباحة كشفك لوجهك، ولكنه أخف إثمًا من التبرج والسفور.

هذا؛ ولتستمري في نصح والدِك بالمعروف، وإقْناعه بأهميَّة غطاء الوجْه، وأنَّه أصوَن للمرأة، وعليك بالصبر؛ فإنَّ الأجر يكون أعظم، كلَّما كانت الطَّاعة شاقَّة، خاصَّة أنَّ هذا الزَّمن قد ينطبِق عليه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: "يأتي على النَّاس زمانٌ، الصَّابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر" (رواه الترمذي وأحمد في المسند).

وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: "العبادة في الهرْج كهجرة إلي" (رواه مسلم وغيره).

ــــــــــــــــــــــ

من فتاوى موقع الألوكة