علاج الفتاة التي لا تصون عرضها

الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

صديقتي لديها بنتًا عمرها الآن 24 سنةً، أخطأت بِحياتها من 5 سنوات مع شخصٍ وعدها بِالزَّواج وخذَلها بعد أن هربَتْ معه وكرَّرتْ هرَبَها فتلقَّفها شيطان وغرَّر بِها.
وبعد أن تعامَلَتْ معها بِكُلّ لين ومَحبَّة وتقرَّبتْ منها جدًّا، وأعطتْها بعض الثِّقَة والحُرِّيَّة المراقَبة ولمدَّة سنتَيْنِ لَم تتصرَّف بِخطأ، ولكنَّها بعد ذلِك سَمَحَت لها بالعمل، وخلال أيَّام من عملها اكتشفتْ أنَّها خانتِ الثِّقة وخرجتْ مع شابّ جديدٍ، فأمْسَكَتْ بِها وسجنَتْها بحمَّام بيْتِها، ومِن شهرَيْنِ وبنتُها مسجونةٌ، وهي تُعْطِيها وجبةً كلَّ يومَيْنِ والماءَ فقطْ، وتتمنَّى لَها المَوْتَ لأنَّها لم يعُدْ يُجدي معها نفْعٌ، ولَجأت إليَّ لأستفتيكم بتصرُّفها، فأرجوكم أن تردُّوا عليْها بفتواكم ونصيحتِكم، كونها أرملة ولا تُريدُ أن يعلم أهلُها أو أهل زوجِها المَرحوم بِما يَجري مع ابنتِها، فما فتواكم ونصيحتكم؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الله عزَّ وجلَّ قدِ استَرْعَى الآباءَ على أبنائِهم، وحمَّلَهم كاملَ المسؤوليَّة عنهم، وجعل تربِيَتَهم وتنشِئَتَهم على تعاليم الدّين الإسلامي وأخلاقِ المسلمين من أولويَّات واجباتِهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها" (رواه البُخاريّ ومسلم وغيره). وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيّع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" (رواه ابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه).

وتوعد الله من غشَّ رعيته أو لم يحطها بنصحه ورعايته بالحرمان من الجنة؛ ففي الصحيحين عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما مِن عبدٍ استرعاه الله رعيَّة فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة".

واعلمي أنَّ هذا السلوكَ الشَّائن من هذه الفتاة هو إِحْدى الثِّمار المُرَّة النَّاتِجة من غياب التَّربية الإسلامية الصَّحيحة والتَّنشئة على التِزام أوامر الله؛ من الحِجابِ الشَّرعي، والعِفَّة والقَرار في البَيْتِ، والبُعد عن مواطِنِ الاخْتِلاط، وغضِّ البَصَرِ عمَّا حرَّم الله.

ولذلك؛ فالواجبُ على والدةِ الفتاة أن تَتوبَ أوَّلاً إلى الله من تَفْرِيطِها في تربِيَةِ ابنتِها، وأن تُكْثِرَ منَ الاستغفار وفِعْلِ الصَّالِحات، فإنَّ الحَسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيئات. ث

ُمَّ تستدْرِكُ ما فاتَها بالحيلولة بَيْنَ ابنتِها وبين ما تَفْعَلُه من المنكر بشتَّى الطُّرق، مع تَضيِيق منافذ الانْحِراف أو غَلْقِها، وذلك بإبْعادها أوَّلاً عن كلِّ أسباب الفَساد منِ اخْتِلاطٍ بالشَّباب، وسُفور، كذلك إبعاد كلِّ وسائلِ الانحراف عن البيت؛ من أفلامٍ هابطةٍ، أو قنواتٍ خليعةٍ، أو أغانٍ ماجنة، ومواقع إنترنِت مضللة، أو نَحو ذلك مِمَّا له أعْظَمُ الأَثَر في إفسادِ الشَّباب والفَتَيات، وكذلك منْعها من الخروج لأي عمل وإن كان مباحًا؛ لأن الظاهر أن تلك الفتاة قد أتخذت الخروج للعمل دَغَلًا وخِدَاعًا حتى وقعت فيما وقعت فيه من فَسَاد. ثُمَّ ت

بْدَأُ بالعِلاج بعد التَّخلُّص من هذه الأسباب؛ لأنَّه لا يُمكِنُ علاجُ المَرض وأسبابُه قائمةٌ متوفِّرة، فتقوم بتوفير بيئةٍ إيمانيَّة داخلَ المنزل وخارجَه، ثُمَّ بِوَعْظِ البِنْت وتَخويفِها بِالله، وتَحذيرها من جريمة الزِّنا، ولتَستَعِنْ في هذا بأهْلِ العِلم المأمونين، ولا بأس من مشاورة أحد الأقرباء الكبار أصحاب الأمانة والرأي والخبرة، مع شَغْلِ البِنْتِ بِما يُفيدُها وينفَعُها، وعَدَم السَّماح لَها بالخُروج بِمُفردِها البتَّة، ولا مانعَ من مُراقَبَتِها بدون أن تشْعُر.

ونُنَبِّه السَّائلة أنَّه لا يَجوزُ حبسُ هذه الفتاةِ في الحمَّام، وحرمانُها من الطَّعام بِهذه الصورة، حيثُ إِنَّ هذا العقابَ من الممكن أن يؤدِّي إلى أضرار بالغة في النفس والجسد لا يجيزها الشرع، أو يؤدي إلى موتها فتبوءُ الأُمُّ بإِثْمها؛ وقدْ قال الله عزَّ وجلَّ في مُحكم كتابِه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] كما أنَّ هذه الطريقة قد لا تُجْدِي شيئًا في كثير من الأحيان، بل على العكس قد تدفع البِنْت إلى العِناد أو قتل نفسها أو غير ذلك مما يربو على الذنب الأصلي، فعلى الأمِّ أن تَعودَ لِما كانتْ عليْهِ من التَّودُّد لابنَتِها والتَّقرُّب منها حتَّى تتقبَّل البنتُ منها النُّصح، ولكنْ لا تُعْطِيها هذه المرَّة الثِّقة والأمان، ولْتراقِبْ تصرُّفاتِها دون أن تشعرها بذلك ولا تَغْفل عنها ولْتَسْعَ في زواجِها بِمَنْ يتفهَّمُ حالَها، ونسأَلُ اللهَ لَها الهدايةَ والرشاد،، والله أعلم.