إسلاميو مصر ما بعد الصعود..

لا ينكر عاقل أن الإسلاميين في مصر عانوا على مدى ستة عقود متتالية من بطش الأنظمة، التي تعاقبت على حكم البلاد، وهو ما أكسبهم جماهيرية وتعاطفًا في أوساط الرأي العام...


لا ينكر عاقل أن الإسلاميين في مصر عانوا على مدى ستة عقود متتالية من بطش الأنظمة، التي تعاقبت على حكم البلاد، وهو ما أكسبهم جماهيرية وتعاطفًا في أوساط الرأي العام، إلى أن كانت ثورة 25 يناير، فكانت بمثابة تعزيز لهذه الشعبية بوقائع على الأرض بحصد الإسلاميين أصوات الناخبين المصريين.

هذا الاستحقاق ساهم في جعل الإسلاميين قاب قوسين أو أدنى من دوائر صنع القرار، إن لم يكن أصبحوا صانعين له من خلال كونهم على أعتاب تشكيل الحكومة، سواء قبل انتخاب الرئيس القادم للبلاد أو بعده، فحتمًا ستكون لهم الكلمة الأبرز في تشكيلها، علاوة على ما تحقق لهم من مكاسب كبيرة برئاستهم لمجلس الشعب، انطلاقًا من حصولهم على أغلبية البرلمان.

والحديث هنا لا ينصب على فصيل بعينه من التيار الإسلامي بل إنه ينسحب على التيار الإسلامي عمومًا الذي أصبح في دائرة الضوء ليس بمصر فقط، ولكن على مستوى العالم، وفق ما تعكسه الزيارات الأجنبية المتتالية على مقار الأحزاب الإسلامية في البلاد، للحديث مع قياداتها عن تصوراتهم لإدارة المرحلة المقبلة في مصر.

دوائر الضوء هذه أصبحت تفرض على الإسلاميين بمصر العديد من الواجبات والتحديات، التي ينبغي أن يكونوا على مستواها، وقد لا تتمكن السطور القادمة من حصرها، غير أنها يمكن أن تكون بمثابة إشارات يمكن النقاش حولها، خاصة وأنه ترافق مع صعود الإسلاميين في مصر العديد من الحملات الإعلامية ضدهم، علاوة على الحملات المكوكية على مقارهم من جانب أوساط غربية.

وفي هذا السياق، فإنه ينبغي على الإسلاميين إدراك أهمية تعزيز قيمة الإخلاص فيما يقومون به، وأن هدف الاستخلاف بالأساس هو إقامة الدين في الأرض، انطلاقًا من التوجيه القرآني بتعبيد الناس إلى ربهم، فهذا هو الهدف الأساسي من خلق العباد، علاوة على ذلك فلا ينبغي أن يستكثر الإسلاميون قوتهم، أو يستعظموا عزتهم التي صاروا عليها في المشهد المصري، فهذا من فضل الله عليهم، وثقة المصريين بهم، فعليهم أن يكونوا على مستوى هذا الفضل وتلك الثقة، فتكون شخصياتهم الإسلامية أكثر نموذجية.

وبقدر ما يجب على الإسلاميين الالتفات إلى التحديات التي تواجههم، والمؤامرات التي تحاك لهم منذ صعودهم للمشهد السياسي، فإن عليهم التمسك بكل ما هو ثابت لديهم، انطلاقًا من شريعتهم السمحاء، وعدم الانجراف وراء ما هو معروف بين السياسيين بأن السياسة هى فن الممكن، فيكون من خلال هذا الممكن مخالفة ما هو ثابت، حتى لا يكون ذلك على حساب المنهج والتوجه والصوت الذي حصلوا عليه من جانب ناخبيهم، فالمصريين لم يقترعوا للإسلاميين، إلا لتمسكهم بإسلامهم ويقينهم بأنهم سيعملون على تطبيق حكم الله تعالى في الأرض، بعد ما حرموا منه ردحًا طويلاً من الزمن.

لذلك فإن الإسلاميين لا ينبغي لهم فهم ما يوصف بالتنازلات، بقدر ما يجب عليهم فهم إدراك طبيعة المصالح والمفاسد، وقياسها على ما هو قائم، ويقينهم بأن إقامة سياسة نظيفة سيجلب عليهم الكثير من الحملات الإعلامية والدعائية، والتي لا ينبغي أن تنال منهم، حتى لو وصل الحال إلى استفزازهم من خلال الإعلام الليبرالي، ما يتطلب منهم التعامل بحنكة ومهنية، خاصة مع نوعية هذا الشكل من أجهزة ووسائل الإعلام، والتي سبق أن أطلقت صيحات كاذبة عندما ادعى نفر منه تشكيل السلفيين لحملات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم سرعان ما تلاشت هذه الحملات بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب، ما ظهر أنها كانت حملات للتشكيك وإشاعة الخوف بين المصريين لحثهم على عدم التصويت للإسلاميين، وهو ما أدركه الرأي العام بالتصويت لمن تستحقه أصواتهم.



وهذا يتطلب أن يكون للإسلاميين أن يكون لهم إعلامهم المهني، الذي يدحض كل ما يثار حولهم من شبهات، بما يجعلهم يتمكنون من تقديم رسالتهم وعرض أفكارهم ومشاريعهم بصورة غير مشوشة، وحتى تكون انطلاقاتهم صحيحة، خاصة وأن المصريين ينتظرون من الإسلاميين الكثير، بالشكل الذي يحقق لهم الأمن أولا، ثم النهضة الاقتصادية تاليًا.

وأمام هذا الدور الذي ينبغي أن يضطلع به الإسلاميون، فإن عليهم عدم إغفال دعم الكادحين بالمجتمع المصري، والذين أعياهم الفقر، إذ يعرف أن 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن منهم من لا يعيش فقط بمساكن عشوائية، ولكن يسكن وسط الموتى، حتى أصبحوا من مقيمي أهالي القبور، علاوة على أهمية أن ينظر الإسلاميون في رد الحقوق لكل من تعرضوا لمظالم إبان النظام السابق، من تدخلات أمنية في الحيلولة دون تولي الوظائف، وفق ما صدر من تصريحات بقيام وزير الداخلية بوقف كل من يقوم بإعفاء اللحى من ضباط وأفراد الوزارة عن العمل، على الرغم من عدم وجود قانون يعطي الوزارة هذا الحق.

لذلك يندهش المرء أن يحدث هذا في دولة اندلعت بها ثورة سعت لرد المظالم ومنح الحرية الحقيقية لأصحابها، علاوة على أن ذلك كله وغيره يحدث في برلمان تسيطر عليه أغلبية إسلامية، معظمهم من أصحاب اللحى، وكثير منهم ما تم الزج به من قبل النظام السابق في غياهب السجون، والتي لا يزال يسكنها إسلاميون تم إيقافهم في تهم باطلة، علاوة على آخرين لا يزالون مطاردين في بلاد الغرب، لا يتمكنون من العودة لبلادهم، على الرغم من أن الثورة ينبغي أن تنحاز لعودتهم، خلاف من هم قابعين خلف السجون الأمريكية، كما هو الحال في قضية الشيخ الأزهري الدكتور عمر عبد الرحمن، وغيره من الأسرى بسجن جوانتنامو.

ومن هنا، فإنه عار على مصر الثورة، وأغلبية البرلمان، أن تكون هناك ثورة، وتكون هذه الأحوال قائمة في بلادهم، دون إغفال بالطبع مدى الحملات التي يتعرض لها مجلس الشعب، وإذا كان كثيرون قد باتوا يكشفون عن وجوههم، فليس أقل من أن يعلن الإسلاميون وبجرأة عن حقوقهم ووجوههم، والتي تدعم الحق، ولا تخشى في الله لومة لائم، خاصة وأن مطالبهم وغيرهم المشروعة، ينبغي أن يستندوا في تحقيقها إلى قوة الرأي العام، الذي منحهم أصواته.

وفي غمرة كل ذلك، فلا ينبغي للإسلاميين نسيان الدور الدعوي، والذي قامت عليه حركاتهم بالأساس، فلم يعرف أن هناك حركة إسلامية قامت وإلا كانت بدايتها الدعوة، خاصة وأن هناك من البسطاء لا يزالون أسرى لشبهات وفتاوى كانت مدعومة بالأساس من النظام السابق، فاختلط بها الحق بالباطل، والسنة بالبدعة.

ووفق قراءة المشهد العام، فإنه يجب على الإسلاميين تحديد خططًا مرحلية لتحديد أولويات المصريين، والواجب تنفيذها على نحوٍ عاجل، وإعلان كشف بحساب إلى ما تحقق، وأسباب ما عجزوا عن القيام به في إطار من الشفافية والمصداقية، فوقت أن يصل ذلك إلى السواد الأعظم من المصريين، فحتمًا سيثقون بهم، وسيعذرونهم فيما أخفقوا فيه.


علا محمود سامي